الطريق إلي باب الخروج

هذا الإقتباس من رواية باب الخروج بدءا من صفحة 442 إلي صفحة 449:

“لم تنفجر الفقاعة هذه المرة في شكل ثورة، ولا احتجاجات، ولا عنف، ولا حتي مطالبات بتغيير الحكومة، بل جاءت في شكل موجة هادئة، متدرجة، غمرت الأرض ببطء، ثم علت وانقلبت، فغمرت الدرجة التي تعلوها، ثم الدرجة الأعلي، وهكذا، حتي باتت تهدد ”القطان“ نفسه ومن معه بالغرق. أو هكذا ظن الجميع.

ما فعله الشباب كان بسيطا في ظاهره، ويمكن لأي عارف بمصر أن يفكر فيه، لكن تنفيذه يتطلب سنوات من العمل. الخطوة الأولي اللافتة للنظر كانت تحولهم من التنافس مع شباب الإخوان إلي التعاون معهم، وهي خطوة لم تكن تتطلب ذكاء فقط، بل تغييرات في ميزان القوة كي تصبح ممكنة. فالشباب الديموقراطي لم يكن ليتعاون مع أقرانهم من الإخوان إلا بعد تثبيت قواعدهم المستقلة والاطمئنان للتأييد الذي يحظون به واكتسابهم الثقة الكافية التي تمكنهم من العمل مع خصومهم السياسيين. كذلك لم يكن من الممكن لشباب الإخوان التعامل معهم بندية إلا حين يكونون أندادا حقيقين لهم. ثاني التغييرات هو تحولهم عن السعي لإسقاط السلطة السياسية إلي التركيز علي بلورة تفاهمات مع الجماعات والقوي الأخري حول القضايا الرئيسية، بحيث يمكن لأي منهما الحكم إن وصلوا إلي مقاعده. فدخلوا في مناقشات طويلة – بدت عقيمة للجميع خصوصا ضباط الأمن القومي – حول كيفية التعامل مع التحديات الإقتصادية والإجتماعية، من مشكلة الفقر إلي تمويل التعليم والصحة، والإستثمار. وكيفية إعادة بناء أجهزة الدولة المختلفة، من وزارات التعليم والصحة إلي القضاء والإعلام، بالتفصيل وبشكل عملي. كما شملت تفاهمات حول شكل الدستور، ونظام الحكم، والعلاقات الخارجية، وهكذا. كانت هذه المناقشات في حد ذاتها مهمة لخلق إحساس بين الجماعات المتفرقة بالجماعة، بأنهم يشكلون جزءا من كل، وكذلك لتركيز أنظار الناس، السياسيين منهم وغير السياسيين، إلي المشكلات الحقيقية والعملية التي تنتظر أي حكومة، ومن ثم كانت تلك المناقشات أشبه بعملية تعليم جماعي، ولم يستطع أحد وقفها لأنها لم تكن مرتبطة بتحرك سياسي محدد، وحرص الشباب من الجانبين علي إبقائها في هذا الإطار التعليمي وعدم تعجل القفز إلي السياسة.
لكن المناقشات والتفاهمات تحولت إلي تحرك سياسي فيما بعد. شيئا فشيئا، تحولت شبكة الحوارات هذه إلي جذور حركة سياسية قوية، معظمها من الشباب.

ومن هنا تطورت حركة ”معا“ ونقلت الحركة السياسية كلها إلي اتجاه آخر.

وهكذا صارت حركة ”معا“ أشبه بحكومة إفتراضية؛ لديها فهم دقيق بمشكلات الناس علي اختلافها واختلافهم، ولديها معرفة واقعية بما تستطيع أجهزة الدولة القيام به، وما تستيطع الجمعيات الأهلية والمتطوعون القيام به، وحجم المطالب الشعبية غير المستجاب لها، وأنواعها، وتوزيعها. صار الشباب علي اتصال بالناس ومشكلاتهم في أحيائهم ومدنهم وقراهم. هكذا صارت حركة ”معا“ جماعة سياسية جماهيرية بالمعني الدقيق للكلمة: تعبر عن مطالب قطاعات من الشعب، تعرف مشكلاته وتعرف ما يمكنه التضحية به وما لا يمكنه احتماله، ويعرفها ويثق بها وبناسها الذي يختلط بهم في حياته اليومية وعاشرهم واختبرهم. حينما تتحرك جماعة كهذه، فإنها لا تتحرك وحدها، بل تجر وتدفع قطاعات عريضة من الشعب معها، لذا يصعب الوقوف أمام حركتها.

ومع التقدم في تحقيق توافق علي العملية الانتقالية، أطلقوا مبادرة المؤتمرات التأسيسية.
لم تكن المؤتمرات التأسيسية إلا امتدادا طبيعيا للمناقشات والحوارات التي دارات عبر الشهور التي سبقتها، لذا نجحت. نظم الشباب، من الشباب الديموقراطيين والإخوان، معا، مؤتمرا في كل مركز ومدينة في مصر.
ومع انعقاد المؤتمرات التأسيسية في المدن والمراكز، اكتسبت العملية زخما أكبر، وبدأ الإعداد لعقد مؤتمر في كل محافظة يكون تمهيدا لمؤتمر قومي عام ينتخب جمعية تأسيسية.

حددت هذه المؤتمرات ملامح المرحلة الإنتقالية ومدتها، واتفقت علي تبني ”الإعلان المصري لحقوق المواطن“ وثيقة دستورية حاكمة، واختار كل مؤتمر عشرة ممثلين ليشاركوا في مؤتمر قومي تأسيسي، وتكون مهمته بلورة الاتفاق النهائي علي هذه الموضوعات وانتخاب جمعية تأسيسية تضع الدستور وتشكل حكومة مؤقتة، والعمل كبرلمان مؤقت إلي حين إجراء انتخابات جديدة.”

إنشر
%}