القاهرة
12 Nov 2015التالي ملاحظات خيالية من زيارة لم تحدث. أي تشابه مع وقائع حقيقية هو من محض الصدفة.
مترو الأنفاق. في مكان ما بين محطتي السادات والدقي. تسع دقائق قبل السابعة مساءاً.
“بعد إذنكم يا جماعة .. لحظة معايا كده .. عرض خاص أكيد هيعجبكم .. مع دخلة المدارس .. أو للشغل .. أو حتي من غير سبب غير إنه عرض خاص. شوف يا أستاذ .. بصي يا مدام. القلم ده غير أي قلم شفته قبل كده. قلم رصاص .. خشب زان إيطالي فاخر. تمسكه في إيديك كده تحس إزاي حلو ومريح. تقيل ورصين وسهل في الكتابة يطير ع الورق. تسألني إزاي كل ده ويبقي عليه عرض خاص، ده أكيد غالي. عندك حق. لو رحت أي مكتبة من اللي بيبيعوا جملة تلاقي الإتناشر قلم بخمستاشر جنيه .. يعني القلم بجنيه وربع. أنا هأديك الإتناشر قلم بخمسة جنيه.
خمسة جنيه بس.
يعني القلم بأربعين قرش. أربعين قرش بس. قلم رصاص .. خشب زان إيطالي فاخر. إتناشر قلم بخمسة جنيه. خمسة جنيه بس”
مترو الأنفاق. في مكان ما بين محطتي الدقي والسادات. العاشرة وثماني وثلاثون دقيقة. إقترب مني بهدوء بنظرة متسائلة.
- مساء الخير يا أستاذ، معلهش الساعة كام معاك؟
- حداشر إلا تلت
- شكرا
صمت قليلا ثم تساءل مرة أخري - ألا صحيح ما تعرفش هي المرحلة التانية من الإنتخابات هتبدأ إمتي؟
- مش عارف، صراحة
- هم هيعملوا إعادة المرحلة الأولي الأول ولا هيعملوا المرحلة التانية الأول؟
- مش متأكد …. بس أظن بيعملوا الإعادة الأول
- آه، غالبا فعلا. وإنت هتنتخب مين؟
- مش عارف صراحة. أنا مش متابع أوي
- أنا بأبص علي الناس بتوع حاجة إسمها التحالف الجمهوري .. شكلهم فاهمين الدنيا ماشية إزاي
لم أعترض علي كلامه، فأكمل. - لا وفيهم ناس محترمة أوي: المستشارة تهاني الجبالي وناس كبيرة يعني.
لم أعترض لكن إقتراب محطتي ساعد كثيرا. - إبقي بص عليهم كده يا أستاذ. شوف مرشحهم في دايرتك هتلاقيهم ناس محترمة أوي
- إن شاء الله
“للأسف خلاص لازم الواحد يفكر بجدية إزاي يكون فيه مخرج. هل أنا أحب إن إبني يكبر بره مصر؟
لأ طبعا.
بس أنا أفضل إنه يقدر يكبر”
“بص أنا خلاص بقيت مقتنع بشدة، وإنتوا ممكن تعترضوا علي الكلام ده، لكن أنا فعلا بقيت مقتنع إن مفيش مؤسسة في البلد نضيفة. خلاص بقي فيه فساد في كل حتة. أنا كنت دايما متأكد إن فيه تلات مؤسسات في البلد فعلا نضيفة: الجيش، الشرطة والقضاء. ديه المؤسسات اللي البلد قايمة عليهم ولازم تكون نضيفة وأنا أعرف ناس كتيرة بتشتغل فيها وكلها ناس محترمة جدا، بس أنا شفت بنفسي ما يكفي إني أقولكم وأنا متأكد من الكلام ده: مفيش مؤسسة نضيفة في البلد ديه”
“عارف يا أستاذ، أنا والله نفسي في حاجة واحدة بس .. نفسي في وظيفة يكون ليها ضمان إجتماعي. أنا، زي ما إنت شايف كده، في الشارع أربعتاشر ساعة ع الطريق كل يوم .. يعني ممكن أروح في حادثة في أي وقت. مراتي وولادي يعملوا إيه من بعدي؟ لفيت ودورت علي أي نظام أعمل ضمان وأنا في شغلتي بس مفيش. أعمل إيه؟”
القاهرة
القاهرة برضه
“إنت بس فاتك حاجات كتير إتغيرت”
علي الإذاعة الداخلية لمحل كبير في مركز تجاري أكبر، صوت نسائي بإنجليزية ركيكة:
“مستر ماهر فروم ذا ميوزيك سيكشن، بليز جو تو فرونت ديسك. مستر ماهر، فرونت ديسك بليز”
إفطار لشخصين علي النيل: قهوة + شاي + كرواسون + فروت سلاد + لاتيه + زجاجة مياه = 217 جنيه
نزلنا مع علي الكوبري وإنطلقت السيارة بسرعة كافية إني أخيرا أشعر إننا خرجنا من الزحام. قطعت كلامها لتغير موضوع الحوار فجأة:
- بسرعة بسرعة عايزة أوريك حاجة.
- أوكيه
- بعد تلاتين ثانية، لما أقولك، بص علي إيدك اليمين وقولي إيه ده؟
- أوكيه
مرت الثلاثين ثانية وأنا بأحاول أستعد لتفحص أيا كان هذا الشئ الذي من المفترض أن أتفحصه في وسط هذا الظلام. إنخفضت سرعة السيارة بشكل غير ملحوظ وإنتظرت الإشارة. - آيوه، بص هنا.
إلتفت إلي اليمين سريعا أنظر وأتفحص. سريعا ما إتضح ما المفترض أن أنظر إليه. عربة مدرعة بألوان عسكرية تقف أمام بوابة كبيرة مرتفعة في بداية طريق قصير في نهايته بوابة أخري كبيرة مرتفعة تشبه الأولي. كان من السهل ملاحظة كل هذا في الوقت القصير المتاح لأن البوابتين والطريق الواصل بينهم مضاءين بوضوح وسط الظلام الدامس لهذه المنطقة من الطريق الدائري. سألتني: - إيه ده بقي؟
- معنديش فكرة بصراحة
- نور كده وعساكر في وسط الضلمة وبدون مقدمات
- غريبة فعلا .. هي مش ديه منطقة مقابر؟
- آه
لم يمر كثيرا من الحوار قبل أن تطرح النظرية المتداولة - واحدة زميلتي في الشغل بتقولي إن ديه مدافن آل السيسي …
إبتسمت إبتسامة الشخص الذي أخيرا فهم ما يحدث. أستمرت في جملتها: - بس إيه يعني؟ حتي الموت مفيهوش مساواة؟
إعتدل قليلا في جلسته قبل أن يكمل القصة
“المهم يعني .. الراجل قاعد علي الترابيزة ومحاوط نفسه طول الفرح بولاده الأربعة .. كلهم بسم الله ما شاء الله فطاحل كده .. محدش فيهم إتكلم مع أي حد ع الترابيزة غير بعض .. لغاية لما الراجل كان عايز طبق ع الناحية التانية من الترابيزة، فلما الواد صاحبي ناولوه الطبق، الراجل رد علي طول: ربنا يخليك يا إبني وربنا يكرمك ومتشكر جدا والله يخليك .. ويعني كان متشكر له أوي وبعدين بدأوا يتكلموا شوية والراجل سأله: إسم الكريم إيه؟ .. قام صاحبي قال له: جورج.
صاحبي ملحقش يكمل الإسم والراجل زي ما تقول كده إتنفض وإتقفل في الكلام فجأة ومفيش دقيقتين علي بعض وقام هو وولاده الأربعة وما شفنهمش بقية الفرح.
اللي هو يعني …. إيه يا حاج؟ مش كده يابا .. إحنا في 2015 .. إيه التصرفات ديه”
إستمر الحديث قليلا بين المتواجدين بعيدا عن هذه القصة تحديدا ولكن في نفس الإطار قبل يعود الحديث إليه مرة أخري
“بص .. أنا ليا صحاب كتير منهم وكل حاجة .. بس برضه ما أقدرش أروح أكل عندهم .. مش عارف ليه .. بس لما أروح عند أي حد منهم في بيته، أحس زي ما يكون فيه ريحة غريبة كده بتقفل نفسي عن الأكل. رغم إني دايما أقول إنهم بصراحة نضاف ومحترمين جدا في شغلهم يعني .. بس أكل؟ ما أقدرش”
نظر في إتجاهي وقال بمنتهي الجدية:
“أنا سافرت كتير وشفت كتير، وأحسن حاجة شفتها بره هي المساواة .. يعني حتي المعاملة بين الناس بالأسماء كده عادي بس فيه إحترام ومساواة .. ليه ده مش موجود عندنا؟ قولي ليه يا باشا”
“أنا بأكره الطريق ده لأني مش حافظة النقر اللي فيه، يعني لازم أمشي بالراحة رغم إن الطريق فاضي”
“إنت أصلك ما كنتش هنا وشفت بنفسك”
مفيش حاجة في مصر إتغيرت، حتي لما كل حاجة إتغيرت