الصورة الكبيرة
02 Jan 2016جيراني في الشقة اللي جنبي علي طول عرب. أكيد صدفة جميلة إن الواحد يبعد ألالاف الأميال عن بلده ويلاقي إن جيرانه بيتكلموا لغته وكمان عارفين عن ثقافته.
كان سهل إني أعرف إنهم مسلمين لأن الزوجة منقبة والزوج ملتحي، لكن كنت محتاج أتأكد إنهم عرب. سهلة ديه، أسلم عليهم في أول فرصة.
أيام كتيرة وأنا نازل الصبح بأخرج في نفس الوقت اللي الزوجة بتخرج فيه تودي الثلاثة أطفال المدرسة. فرصتي جت. الأول أتعرف عليهم وبعدين هيبقي سهل أعرف إذا كانوا عرب ولا لأ، يمكن يكونوا مسلمين من أسيا مثلا.
“جوود موورننيج”
مردتش
رحلة الأسانسير قصيرة وملحقتش أفكر ليه ما ردتش، لكن بسرعة أخدت ده إنه علامة كويسة. هم أكيد عرب وهي بس مش بتتكلم إنجليزي. مرة تانية جت لي فرصة جديدة.
“صباح الخير”
مردتش
شوية تفكير خلتني أصل إلي فكرة إن بالتأكيد لأنها منقبة يبقي تفضل تحية محترمة مش “صباح الخير” والكلام المسخرة ده. معلهش، المرة الجاية إن شاء الله.
“السلام عليكم”
صمت تام
لأ بقي. مش كده يعني. ده سلام، يعني حتي يعتبر محاولة مني إن أطمئنك شوية. أصل مش معقول يبقي الكلام حرام؟ وبعدين حتي إحنا في غربة، والصدفة خلتنا نتقابل. بلاش الصدفة علشان ده كفر، خليها القدر. قدر إيه يا زنديق؟ ربنا كاتب لنا إننا نتقابل. يعني نساعد بعض شوية، ولا إيه؟
لأ. الكلام حرام.
بعدها بفترة تصادف إني قابلت الزوج اللي مواعيده مختلفة عن مواعيدي. صباح الخير مني إتقابلت بهزة رأس صامتة، يمكن يكون عرف بمحاولاتي الضالة لإلقاء السلام علي زوجته.
النهاردة، زينب علي تويتر إشتكت من موقف مشابه.
بتغاظ أوي لما أقول لحد صباح الخير فيقول لي وعليكم السلام ورحمة الله.. ما تاخدني قلمين أحسن عشان تبقى خلصت ضميرك بجد؟— Zeinab (@ZeinabSamir) January 2, 2016
التفسير الجاهز لتصرف زي ده هو “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا” (النساء 86). والسلام عليكم أحسن من صباح الخير. غير كده، فكرة إن فيه تحية تأخد عليها حسنات وتحية ما تخدش عليها حسنات. طريقة تفكير تحول إلقاء السلام إلي لعبة تجمع فيها نقط علشان نشوف مين هيكسب.
أنا مش هنا علشان أناقش إيه التحية الأفضل أو إذا ما كانت تحية معينة حلال ولا حرام. أنا هنا علشان أناقش نقطة أهم بكتير، إيه الهدف من التحية أصلا. لو فيه شخصين ما يعرفوش بعض في مكان صغير مش موجود فيه غيرهم هم الإتنين، زي ما بيحصل لما شخص يدخل علي شخص آخر مكتبه أو إتنين يركبوا الأسانسير. لما يبدأ الكلام بينهم بشكل يحمل المودة اللي المفروض أي تحية تحملها، ده بيعمل إطمئنان في كل شخص، ويمكن كمان يخليهم فعلا ودودين تجاه بعض، والأكيد إنه هيخليهم مبسوطين أكتر مما لو كانوا صامتين أو تظهروا بتجاهل الآخر.
لو التحية لم تحقق هذا الإطمئنان والمودة، فهي فشلت إنها تكون تحية. مايهمش إذا كانت تحية الإسلام ولا لو كانت أفضل أو أسوأ في نصها. مضمونها ضايع أصلا، إزاي نصها يكون له معني من غير مضمون. أحيانا كتيرة بقينا بنمسك في التفاصيل الصغيرة الغير مهمة ونسيب الصورة الكبيرة والمعني الحقيقي وراء تصرفتنا.
بما إننا بنتكلم عن فقد التصرفات لمعناها الحقيقي والتمسك بالتفاصيل في التصرفات بدلا من هدفها، وعلي سيرة الجيران اللي يمسيهم بالخير. إيه معني التنقب بالشكل المشدد ده في بلاد السيدات فيها بيلبسوا من غير هدوم؟ مش قصدي أبدا إن النقاب غلط ولا أنا هنا علشان أفتي في أي شئ من ده لأني غير مؤهل لكده. أنا بس قصدي إني أتسأل هل ده متسق مع الهدف منه ولا لأ؟
اللي أفهمه هو إن الهدف من النقاب أو الحجاب هو إن السيدة تكون متواضعة في ملبسها ولا تزايد علشان ما تجذبش الأنظار إليها. في بلد غربية، السيدة المنقبة بتجذب الأنظار إليها بشكل كبير لأنها بسهولة مختلفة تماما عن كل الأشخاص الأخريين في الشارع. إزاي التصرف بالشكل ده إتسق مع الهدف، بدل من كونه مجرد إتباع أعمي لما تلقناه.
ربنا بيقول بشكل متكرر في كتابه الكريم عن أقوام كثيرين في تبريرهم لأفعالهم “هذا ما وجدنا أباءنا”. وفي موضع واحد علي الأقل بيقول “وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” (الأعراف 28). أنا لا أدعي إني أقدر أفسر، لكن أقدر أقول اللي فهمته، وربنا يهدينا جميعا إلي فهم كتابه. اللي أفهمه هو إن كل اللي بيخدوا ما تلقوه ويعملوه بدون تفكير وتدبر للمعني والسياق هم أكيد فاهمين غلط.