المخرج من الأزمة ليس حلا

نحن الآن أمام أزمة. ملايين من المصريين في الشارع تطالب بإسقاط النظام ورحيل الرئيس في مظاهرات هي الأكبر في تاريخ مصر وربما واحدة من أكبر التظاهرات في تاريخ الإنسانية (لازم نعمل شوية تاريخ في أي حاجة بنعملها برضه). وفي المقابل نظام ينكر الواقع ورئيس عامل نفسه مش هنا.

هذه موجة جديدة من ثورة 25 يناير ، وهي ليست ثورة جديدة ضد الإخوان ولكن ضد نفس الإستبداد والفشل الذي ميز نظام مبارك. هذه الموجة الجديدة تطالب بنفس ما طالبت به الموجة الأولي ، إنهاء الإستبداد والإستفراد بمقدرات الوطن. تطالب بالـ“عيش .. حرية .. كرامة إنسانية”. تطالب بإسقاط النظام.

هذه الأزمة لها مخرج. المخرج يهدف إلي إنهاء المظاهرات وعودة الناس إلي بيوتها مرضية وتأمل في حل يستمر في إرضائها. هذا المخرج هو أن يتنحي مرسي ويفتح المجال أمام حل للمشكلة الأكبر المستمرة من 11 فبراير حتي الآن. المشكلة الأكبر هي كيف نتحول من نظام مستبد يكرس للديكتاتورية نعيش في ظله من 1952 حتي الآن إلي نظام ديموقراطي يتم فيه تداول السلطة بين كل المصريين.

المطروح الآن هو تسليم السلطة إلي رئيس جديد يتم إنتخابه في إنتخابات رئاسية مبكرة. هذا ليس حلا.

المشكلة في هذا الحل أو أي حل يبدأ بإنتخابات تنافسية سواء كانت إنتخابات رئاسية أو برلمانية هو أنها ليست طريقة لتأسيس نظام ديموقراطي. ليس المطلوب في هذه المرحلة ممارسة مظهر من مظاهر الديمواقراطية (الإنتخابات) ولكن المطلوب هو “تأسيس” هذا النظام. تأسيس نظام ديموقراطي يتطلب أن نتفق جميعا علي قواعد اللعبة ولا يمكن الإتفاق علي هذه القواعد علي أنقاض خسارة طرف من الأطراف في إنتخابات تنافسية حيث يخرج طرفا يزهو بما حصل عليه من أصوات و“شرعية” ونترك مدي عدالة النظام الديموقراطي تحت رحمته.

هذا بالضبط ما فعلناه في الموجة الأولي من الثورة ، تركنا تأسيس نظام جديد للفائز في الإنتخابات الرئاسية وكانت النتيجة هي أنه إنفرد بتأسيس نظام يكرس لإستبداد ناعم وسيطرة متنامية لجماعته علي أطراف الدولة.

المطلوب هو الخروج من الأزمة بتنحي مرسي عن الحكم ثم إقامة فترة إنتقالية حقيقية تحقق إتفاق علي شكل الدولة وترسي قواعد نظام ديموقراطي. المطلوب هو إقامة حوار بين كل الأطراف (وهي ليست في السلطة) ليتم الإتفاق علي كيفية التحول من نظام إستبدادي إلي نظام ديموقراطي. المطلوب هو ألا يتولي طرف السلطة وإنما يتولي فقط مجموعة من المحترفين (التكنوقراط) إدارة وتسيير أمور الدولة حتي يتم هذا الإتفاق.

الرد المنطقي علي كلامي هو أن هذه الأطراف لن تتفق أبدا وأن الإستقطاب بينها كبير جدا.

أولا: نحن في لحظة ثورة ، في لحظة تحقيق المستحيل وليس تحقيق الممكن.

ثانيا: تخلي مبارك عن السلطة كان أيضا “لن يحدث أبدا”.

ثالثا: هذا هو الحل الحقيقي للمشاكل التي نعاني منها. تخيل أن شخصا مريضا ، من الممكن أن نعالجة ببعض الأدوية وبعد الإجراءات البسيطة ولما يتم عرض فكرة أن حل المشكلة هو إنه “يعمل عملية” نقول “أصل مفيش فلوس” أو “ديه مخاطرها كبيرة” أو أي أعذار أخري من الممكن أن تكون منطقية لكنها لا تعالج المشكلة الأساسية وهي أن هذا الشخص مريض والعملية هي الحل الوحيد الحقيقي لمشكلته.

إتفاق الأطراف والتيارات السياسية المختلفة علي كيفية إقامة نظام ديموقراطي هو الحل الوحيد الحقيقي. تخيل الفوائد التي يمكن أن تتحق إذا ما تم هذا: إنهاء الإستقطاب المزيف الذي نعيشه بسبب الممارسات الإنتخابية للبعض، طاقة إيجابية هائلة من إحساس المصريين أنهم يشاركون في بناء نظام جديد مهما كانت إختلافتهم ، وكذلك “رضاء النفوس” لأنه لن يكون هناك خاسرين إذا ما إتفق الجميع.

لا تفكر في أن حدوث هذا مستحيل ، فكر في كيف نجعله ممكنا.

إنشر
%}