لماذا لا يكفي التمرد؟

ناس كتيرة متفاجأة من إن حملة “تمرد” محققة نجاح. مش عارف إذا كان سبب المفاجأة هو إنها حملة لا يشرف عليها جهة منظمة أو أن من وراءها مجموعة غير مشهورة من النشطاء. الأكيد هو إن الغضب اللي في الشارع وجد منفذ للتعبير عنه في شكل التوقيع علي سحب ثقة من الرئيس مرسي، حتي لو كان سحب الثقة بدون سند قانوني أو بدون مستقبل واضح.

حملة تمرد مجهود طيب – بصرف النظر عما إذا كنت متفق معاه أم لا – لأنه مجهود سلمي وفي إطار ديموقراطي (بناء لأغلبية رقمية واضحة حتي لو لم يكن يلائم تفسيرك للديموقراطية إنها ديموقراطية الصندوق).

لكن مازلنا في إطار ثورة “ضد” وليس ثورة “مع”.

أغلب (إن لم يكن كل) مجهودات الثورة حتي الآن تمت في إطار “إسقاط النظام” أو “ضد الفساد-الظلم-الإستبداد”. وكل إسقاط يتبعه فراغ سياسي تأتي القوي الأكثر تنظيما لتملأه بفساد وظلم وإستبداد جديد. من مبارك إلي المجلس العسكري ومن المجلس العسكري إلي الإخوان. الثورة هي اللي أجبرت مبارك علي التنحي والثورة هي اللي أجبرت المجلس العسكري علي التعجيل بالإنتخابات.

إلا أن الثورة فشلت في ترتيب أي مجهودات لصالح أي شيء ولنا في صباحي وأبو الفتوح مثال.

لكن الأهم من الفراغ السياسي هو فراغ الأفكار. تحت شعارات الثورة قام المجلس العسكري والإخوان بملأ فراغ الأفكار بتعريفاتهم لهذه الشعارات. فتحولت مطالب الثورة بالعدالة علي يد العسكر إلي “إقامة دولة القانون” (كيف تقيم العدالة علي قانون فاسد مثل قوانين مبارك) وتحولت مطالب الثورة بالحرية والعدالة الاجتماعية علي يد الإخوان إلي دستور فاشل ورأسمالية المحسوبية التي يتم بناءها.

ملء فراغ الأفكار يتم بأن تقوم القوي الثورية (وليس السياسية أو الحزبية) بصياغة محتوي هذه الشعارات وتحويلها إلي مبادئ عامة حاكمة وأهداف واضحة قابلة للتحقيق وقابلة للقياس يمكن الحكم إذا ما كان تم تحقيقها أم لأ.

“تطهير الداخلية” شعار.

“إلغاء جهاز أمن الدولة” هدف واضح وقابل للقياس يمكن الإلتفاف حوله بإقامة “جهاز الأمن الوطني”.

“إنشاء جهاز رقابي من القضاء لمراقبة عمل أجهزة الأمن” هدف واضح وقابل للقياس من الصعب الإلتفاف حوله.

في مقال سابق ذكرت أن المشكلة الأساسية التي نواجهها هي عدم وجود بديل. الجيش لن ينقلب لأنه لا يريد أن يخسر ما تبقي له من شعبية في فترة حكم يكون فيها مسئول عن فشل أجهزة الدولة المدنية وفي نفس الوقت لا يجد بديلا مدنيا يستحق الدعم. نفس الكلام ينطبق علي أمريكا التي يلومها الكثيرين علي دعمها للإخوان. أمريكا لن تتخلي عن دعم الإخوان طالما أنها لا تري بديلا يستحق الدعم. المستثمر لا يسحب إستثماراته التي قد تخسر ويضع الفلوس تحت المخدة، إما أن ينقلها لإستثمار أخر أو يجد طريقة لأن تنجح الإستثمارات الحالية مهما كانت.

المطلوب هو صنع هذا البديل. المطلوب هو أن تقوم المجموعات الثورية المتناثرة بتنظيم نفسها فكريا (وليس بالضرورة سياسيا) لتعمل علي 3 أهداف (هذه قائمة مختصرة، التفاصيل في مقالي السابق “ما العمل”):

حملة تمرد تستطيع أن تنظم إيقاع غضب الشارع المصري ضد عناد وسلطوية وفشل مرسي في إدارة أي شيء. حملة تمرد تستطيع - في أقصي ما يمكن أن تحققه - أن تصنع فراغا جديدا. المشكلة ليست في صناعة هذا الفراغ وإنما في ملئه.

إنشر
%}