بوليتكا أمريكا: عن النظام السياسي الأمريكي

الفرعون الكبير كان عنده حق لما قال “كثير من المصريين فرحانين إن قناة فوكس نيوز بتدعمهم.. هاهاها .. أصلهم ما يعرفوش”

فعلا إحنا عندنا معرفة ضحله جدا بالمعلومات البسيطة جدا عن أطراف اللعبة السياسية في أمريكا برغم إن تأثير أمريكا علي الأوضاع في مصر وصل إلي مدي غير مقبول لدرجة إن مرسي كان – وربما مازال – مقتنع إن أمريكا تستطيع أن تتدخل لصالحه وتحميه من الجيش والشعب.

في التدوينة ديه – وربنا يكرم السلسلة القادمة – هأتكلم عن ما تعلمته من خلال متابعتي الشبه يومية للسياسة في أمريكا علي مدار ست سنين. هأتكلم عن الوضع السياسي الحالي وكيف وصلنا إليه، عن التاريخ، عن أهم الرؤساء وأهم الأحداث السياسية والإجتماعية. هأحاول إني أشرح تصوري لكيف ينظر الأمريكان إلي أنفسهم وإلي العالم. هأحاول أفهم كيف يتم صناعة القرار في أمريكا.

لازم أذكر إني مش متخصص. أنا ربما أكون قارئ جيد ومتابع مخلص. ربما يمكن الإعتماد علي المعلومات اللي هأذكرها لأنها منقولة (هأحاول أحط روابط للمصادر) لكن ربما لا أذكر القصة كاملة أو تكون إستنتاجاتي في مقدار فهمي للأمور. أنا بأقول كده رغم إني واثق تماما من قدرتي علي فهم الأمور لكني أيضا واثق من قدرتي علي تغيير نظرتي إذا ما عرض شخص معلومات جديدة لم أطلع عليها من قبل.

خلينا نبدأ بالمعلومة المذكورة في بداية التدوينة .. ليه فوكس نيوز لا تستحق الإحتفاء بدعمها للمصريين؟ فوكس نيوز ديه هي قناة مصر25 بتاعة أمريكا، مش بس إنها منحازة وكدابة وموجهة ولكن كمان إنها أداة في اليمين الديني الأمريكي اللي بيكره العرب والمسلمين وأي شئ غير أمريكي. فوكس نيوز عدوة أوباما اللي هو من الحزب الديموقراطي بتاع اليسار الليبرالي لدرجة تخلي الخصومات بين الأحزاب المصرية محبة وطيبة. هذه العداوة هي سبب الإنحياز للمصريين. في أمريكا فيه حزبين رئيسيين، الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي. كل حزب فيه إعلام يسانده، أحيانا المساندة بتكون فكريا أو تكون إنحياز كامل. قناة فوكس نيوز منحازة للحزب الجمهوري إنحياز كامل وقناة إم إس إن بي سي MSNBC منحازة للحزب الديموقراطي إنحياز كامل. جريدة الوول ستريت جرنال منحازة إلي الحزب الجمهوري إنحياز فكري. جريدة النيويورك تايمز منحازة إلي الحزب الديموقراطي إنحياز فكري.

الإنحياز الكامل هو شغل التبرير للحزب إذا عمل أي حاجة، هو تشنيع الطرف الأخر، هو التكبير من فضائح الأخر والتقليل من خطايا الطرف اللي أنا منحاز إليه، ويتخلل هذا تنقية للحزب من أي أفكار أو أشخاص يبدو أنهم ينحازوا ولو للحظة للحزب الأخر.

الإنحياز الفكري هو الإنتماء لواحد من المجموعات الفكرية التي تؤسس لأفكار الحزب ولا يصل دائما إلي حد التبرير ولكن بالتأكيد ضمنه الدفاع المستميت عن أفكار الحزب.

الغريب أن كل القضايا في أمريكا تقبل القسمة علي إتنين. كل قضية يمكن أن تتحول إلي قضية سياسية فيها رأيين فقط لا ثالث لهما. في 2005 عقد الكونجرس سلسلة من جلسات الإستماع (حيث يحضر عدد من الشهود ليتم سؤالهم من قبل أعضاء الكونجرس) عن موضوع إستخدام المنشطات في رياضة البيسبوول (فيديو). لا أستطيع تفسير كيف تحولت جلسات الإستماع إلي إنشقاق بين الحزبين حيث يدافع الجمهوريين عن البيسوول كرياضة أمريكية أصيلة ولا يقبل التشكيك في مهنية الرياضيين، ويهاجم الديموقراطيين إستخدام المنشطات في الرياضة.

كل القضايا قابلة للقسمة علي إتنين، وهو ما يسمي ”تسييس القضية“، عن طريق تحويل الموضوع إلي موضوع سياسي يتخذ فيه كل حزب موقف معين ويحشد مؤيده لتأييد الموضوع أو معارضته ويزداد الإنقسام بسبب معارضة الديموقراطيين لرأي الجمهوريين لمجرد أنه رأي الجمهوريين بصرف النظر عن تفاصيل الموضوع والعكس صحيح.

فوكس نيوز وإم إس إن بي سي هما من قنوات الأخبار علي ”الكابل“ Cable TV التي تعمل 24 ساعة في اليوم وهي نفس الفئة التي تنتمي إليها سي إن إن. الفئة الأخري هي التلفزيون العادي (عبر إريال التلفزيون الهوائي لكنها تصل الآن عبر الكابل أيضا). قنوات الكابل تعادل قنوات الدش في مصر، ليست كلها قنوات مدفوعة لكنها تتطلب أن يكون لديك كابل وهي في الأغلب قنوات متخصصة. القنوات العادية تعادل قنوات التليفزيون المصري وهي ليست متخصصة ولكنها محلية ومنها إن بي سي NBC وأيه بي سي ABC وسي بي إس CBS ويعرض كلا منها نشرة للأخبار تكون في الساعة الخامسة والساعة الحادية عشر لمدة نصف ساعة في كل مرة. يتم توزيع القنوات العادية عبر المحطات المحلية. هذه القنوات تلتزم في أغلب الأحيان بالحياد بين الطرفين وتركز علي القضايا التي تهم الأمريكي العادي بدلا من القضايا التي تهم الحزبين إلا أن كون قنوات الكابل تعمل علي مدار 24 ساعة يجعلها تشغل عقل الأمريكان بشكل أكبر من القنوات الموضوعية ويجعلها تفرض أجندة الحوار.

السي إن إن تختلف عن فوكس نيوز وإم إس إن بي سي في إنها لا تنحاز إلي حزب لكن سي إن إن تلتزم الحياد علي طريقة ”بلاش نزعل حد“ بدلا من الحياد علي طريقة ”إحنا منحازين للعقل والمنطق“. كل المداخلات والحوارات والبرامج علي سي إن إن هي عبارة عن عرض لوجهتي نظر الحزبين وتتحول في الغالبية الساحقة من الوقت إلي مباريات صراخ بين الطرفين يقف فيها المذيع متفرجا ولا تنتهي أبدا بفوز طرف حتي لو إستخدم الطرف الأخر أسخف وأحقر الطرق للحوار والجدال.

سي إن إن كانت الأولي في الوصول إلي الكابل وكانت في زمن فيه الصورة المباشرة من قلب الحدث هو معجزة وشئ يستحق متابعة سي إن إن من أجله. الصور المنقولة من حزب الخليج في أوائل التسعينات كانت من أهم الأحداث التي صنعت إسم سي إن إن. الآن فقدت سي إن إن هذه الميزة بوصول الإنترنت.

قبل تأسيس قناة فوكس نيوز، شعر الجمهوريين أن القنوات العادية لا تنقل وجهة نظرهم. المذيعين والمحررين في القنوات العادية هم في الأغلب خريجي أفضل الجامعات الأمريكية وهو ما يجعلهم متعلمين ومقيمين في المدن الكبري وكلها أماكن إرتكاز الحزب الديموقراطي والفكر الليبرالي في أمريكا. هذا الشعور دفع ”روجر إيلز“ وهو من الذين عملوا لدي الرئيس الجمهوري ”رونالد ريجان“ إلي إنشاء قناة فوكس نيوز لتكون منحازة للفكر المحافظ اليميني مثل إنحياز القنوات العادية للفكر الليبرالي.

نجاح قناة فوكس نيوز دفع مجموعة من الليبرالين لإستخدام قناة إم إس إن بي سي (وهي شراكة بين قناة إن بي سي وشركة مايكروسوفت – حرفي إم إس) لتكون قوة مماثلة في الإتجاه المعاكس.

القناتين هم نسخة بالكربون من بعض لكن في الإتجاه المعاكس، رغم أن قناة فوكس نيوز أكثر نجاحا لأنها أكثر قدرة علي الكذب والعمل بلا ضمير. القناتين مثال وسبب للإستقطاب في السياسة الأمريكية.

هذه مجرد مقدمة لشكل الإعلام في أمريكا. كل قناة تستحق تدوينة مستقلة. ربما لن تكون التدوينة القادمة لكنها ستكون قادمة إن شاء الله.

إنشر
%}