باريس

رفعت سماعة التليفون أرد بقليل من القلق والملل، القلق من سبب المكالمة والملل اللي بيشعر بيه أي موظف وهو بيكلم مديره. طبعا كل ده متغطي بنفس الحماس اللي تعودت أظهره في أي مكالمة مع مديرتي. “عايزة أتكلم معاك في حاجة غريبة شوية أخدت بالي منها النهارده”. قلت في بالي: خير اللهم إجعله خير. “رصيد أجازتك قرب يصل للحد الأقصى ولازم تأخذ أجازة وإلا هتفقد الأيام ديه. إدارة الشركة بطلت من سنتين تدفع رصيد الأجازات اللي لم يتم استخدامه. إما تأخذ أجازة أو تفقد الأيام ديه”. أول رد فعلي هو الارتياح إن مفيش أي حاجة غلط أنا عملتها ولا إنه سيتم إسناد مهمة سخيفة ليا. خلصت المكالمة قبل ما أفهم حجم المشكلة اللي في ايدي: أنا لازم أخد أجازة.
التوقف عن العمل هو أجمل شيئ في الدنيا، لكن الأجازة شيئ مختلف. الأجازة الأخيرة اللي أخدتها قضيتها في البيت، وكان سببها برضه إن رصيد أجازاتي وصل للحد الأقصى. الناس بتروح أجازة علشان تهرب من حياتها شوية وتغير جو. مشكلتي إني مش بأعرف أعمل كده. ممكن أروح مكان بعيد جدا ومن غير أي شنط أقدر أشيل معايا نفس الهموم والمشاكل.
إسبوع عدي وأنا لسه مقررتش. مكالمة تليفون تانية، المرة دي فيها تاريخ لازم أقرر فيه ميعاد الأجازة مع قيود كتيرة عن المواعيد المتاحة والمدة المسموح بيها. لو حصلت مكالمة تانية هيكون محتواها: مش عايزاك تيجي المكتب في الأيام الفلانية. الأفضل إني أقرر بنفسي. “بيدي لا بيد عمرو” حتي لو كنت أنا عمرو.
بعد مداولات كتيرة وبحث مطول، إخترت أخيرا المدينة اللي كنت دايما عايز أختارها: باريس.
الذهاب إلي أجازة مختلف عن السياحة. الأجازة راحة وإستراحة، لكن السياحة لف ودوران ومتاحف ومواقع تاريخية ورحلة في المكان والزمان. كنت تعبان من شغل إستمر بشكل متصل لمدة كذا شهر وفعلا محتاج أجازة، لكني في باريس ومش ممكن أختار ممارسة أي شئ غير السياحة.
رغم إني مش من هواة السياحة (لف ودوران غير طبعا إن السياحة تتضمن التعامل مع … السياح)، إلا إني من هواة التاريخ. يمكن علشان كده المدن اللي دايما أتطلع لزيارتها هي المدن اللي أعرفها بالفعل. المشي في مدينة أعرفها أشبه بإعادة قراءة الكتب اللي قرأتها بالفعل لكن مع فهم أعمق كأني داخل الكتاب بدلا من أمامه.
باريس حالة خاصة لأن فرنسا مختلفة عن أمريكا وبريطانيا (الدولتين التانيين اللي سبق لي زيارتهم). صحيح فرنسا تتشابه مع الدولتين الآخرتين في إنهم الإمبراطوريات اللي مصر الحديثة دارت في فلكهم سواء بالاستعمار المباشر أو التأثير الغير مباشر. (لو لاحظت إن قراءتي للتاريخ تدور حول مصر فإنت صح. صحيح أنا من هواة التاريخ لكن قراءة التاريخ هي في الأغلب ممارسة أنانية ومحاولة لاكتشاف وفهم الذات).
التأثير الفرنسي علي مصر – رغم قصر مدة الحملة الفرنسية – أكبر من تأثير الإنجليز. قصدي التأثير من ناحية الثقافة أكتر من أي شيئ آخر. ليس فقط بسبب إن الحملة الفرنسية كان معاها فريق من العلماء والباحثين ولكن لأن محمد علي استمر في إرسال مصريين إلي فرنسا للتعليم واستجلب فرنسيين للتدريس.
القانون المصري أصله فرنسي والجنيه المصري رمزه LE
اللي هي اختصار
livre égyptienne
اللي معناها جنيه مصري بالفرنسي. حتي المشي في باريس أشبه بالمشي في روكسي أو وسط البلد (قبل ما يشوهوا المباني بالدهان الفاقع الجديد ده). حتي فيه شارع إسمه ريفولي أنا متأكد إنه متسمي علي إسم سينما ريفولي (علي عهدتي يا محلب، دوس في الموضوع، الحكومة المصرية ممكن ترفع قضية حقوق ملكية فكرية وتكسب مليارات تحل أزمة الميزانية وتسدد ديون مصر).
بس جزء من نظرة فرنسا لنفسها (وده انطباعي) هي في التأثير ده. علي عكس بريطانيا العظمي وأمريكا الأعظم، فرنسا هي الإمبراطورية التي لم تكون. من الممكن تفهم إن المتاحف التاريخية تكون عن تاريخ فرنسا، لكن حتي متحف العلوم والتكنولوجيا كان عن مساهمات فرنسا في العلوم والتكنولوجيا. الأجزاء اللي كانت عن دول أخري هي أجزاء إنت بالفعل عارفها كويس وموجودة بالأساس علشان ما تقولش: إيه ده؟ إزاي مش حاطين الجزء ده؟

أنا عارف ده لأني مصري وكل يوم بأصحي الصبح أبص في المرايا وأقول: أنا مش قصير وأوزعة، أنا مصري ومصر أم الدنيا.
المحزن في الأمر هو إن فرنسا كان عندها شيئ تطرحه للعالم. ثورة وحرية وجمهورية. علي عكس بريطانيا (اللي استمرت ملكية ومحافظة)، فرنسا عرفت الثورة. أو يمكن حتي تكون قامت بتعريف الثورة، علي عكس أمريكا اللي ثورتها كانت حرب ضد المستعمر البريطاني وليس انقلاب علي النظام الملكي. بالإضافة إن فرنسا عملت كل ده في وسط أوربا وليس من وراء محيط زي الأمريكان. كل ده علشان تنتهي تجربة الإمبراطورية الفرنسية باحتلال ألماني في الحرب العالمية الثانية.
كرد فعل لكل ده (أو علي مستوي من المستويات علي الأقل) تجد اعتزاز كبير من الفرنسيين بثقافتهم وتمسك شديد بكل ما هو فرنسي خاصة في دولة هي مقصد كبير للسياح. تتوقع إنهم يكونوا منفتحين قليلا للتعامل مع السياح. لكن انطباعي (وده يمكن يكون انطباعي فقط) هو إن الفرنسيين شايفيين السياح كأنهم عائق في حياتهم اليومية اللي بتدور غالبا حول إنهم يستمتعوا بالأكل والشرب والتدخين وممارسة الحب. علي الأقل ده الواضح من عدد المطاعم والقهاوي والناس اللي معطلة المرور وهي بتمارس مع بعض نوع من أنواع التنفس عبر الفم في الوضع الرأسي.

لكن بدون الباريسيين، باريس مدينة في منتهي الجمال. مدينة محافظة علي رونق الجمال المعماري لقرون مضت، ليس بالمحافظة علي مباني قديمة ولكن بالمحافظة تقريبا علي مدينة كاملة قديمة. لما تقف في نقطة عالية وتتطلع علي أفق باريس والمباني من مسافة، وبعد ما أن تنتهي من الانبهار بالمشهد تدرك حقيقة بسيطة وهي إن مفيش مباني عالية زي أي مدينة كبيرة. إذا كنت في الشارع ولم يكن أمامك مباشرة مبني يسد المنظر، فإنت أمامك فرصة جيدة إنك تري برج إيفيل عن بعد لأنه من أعلي المباني في باريس.
الاستثناء هو مبني
Tour Montparnasse
(انتهي إنشاءه عام 1973) اللي هو أشبه بجريمة مش بس ضد أفق باريس ولكن ضد المعمار بشكل عام لدرجة إن بناءه أدي لتأجيل خطط عدد من ناطحات السحاب. في 2008 تم إختياره كتاني أقبح مبني في العالم. والمنظر من فوق المبني هو أفضل منظر لباريس ليس لارتفاع المبني ولكن لأنه المكان الوحيد اللي ما تقدرش تشوف المبني منه.
الاستثناء التاني هو منطقةالدفاع اللي فيها مبني القوس العظيم (الكبير) من ضمن مباني إدارية أخري. لكنها منطقة بعيدة ومستقلة نوعا ما عن باريس.

تلاحظ التخطيط العمراني للمدينة - رغم قدمها - في شارع الشانزليزيه ومن فوق قوس النصر. تجد متحف اللوفر وميدان الكونكورد (حيث المسلة المصرية) وقوس النصر والقوس العظيم علي خط واحد هو امتداد شارع الشانزلزيه. كل منطقة منهم هي ميدان كافي إنه يكون مركز مدينة كبيرة لوحده، وده يعطيك فكرة عن حجم المدينة حتي في جزء صغير منها.

معلومة صغيرة: الشانزلزيه هي بالفرنسية كلمتين
Champs-Élysées
ومعناها “حقول إليسيه” وهو جنة للأبطال الميتين في الأساطير الإغريقية. ومنها جه اسم
Elysium
اللي هو اسم فيلم وحش لمات ديمون، ما تتفرجش عليه. أي خدمة
معلومة تانية أصغر: بعد ما تعدي في شارع الشانزلزيه علي منطقة أفخم بيوت الأزياء والموضة العالمية من قلب باريس نفسها، تلاقي نفسك وصلت إلي منطقة أفخم الناس اللي فارشة هدوم وجاكيتات ومصنوعات يدوية علي رصيف نفس الشارع. علشان لما حد يقولك “ياي، بياع علي الرصيف بيعطلوا المرور، كخه خالص ومش كوول إطلاقا” إخبطه علي وشه علي طول

لكن الإحساس اللي جالي وأنا ماشي في شوارع باريس، حتي لو كنت لم أدركه في البداية، هو إحساس بالارتياح. لما تمشي في شوارع نيويورك تلاقي نفسك بتبص لفوق بانبهار لحجم المباني وإرتفاعها وتلاقي نفسك بتحاول تتعرف علي إيه هو المبني اللي انت قدامه دلوقتي لأنك الأغلب إنك عارفهم من قممهم وليس قاعدتهم من كل صور أفق نيويورك. لما تمشي في شوارع لندن تلاقي نفسك بتبص يمين وشمال طول الوقت بتحاول تعود نفسك علي العربيات جاية من أني إتجاه (في المناطق السياحية تلاقي مكتوب علي الأرض إن العربيات جايه من الإتجاه ده وإنك المفروض تبص في هذا الإتجاه).
لكن لما تمشي في شوارع باريس لاقيت نفسي أبص أمامي بامتداد البصر عبر الميدان علي القصر أو أيا ما كان المبني التاريخي بكل التماثيل والأعمدة الضخمة وبعده علي مسافة فيه حديقة وبعدها وبعدها وبعدها. كل الناس اللي حواليا وكل الزحمة ما كانتش خانقة زي الزحمة عادة ما بتكون (إلا لما تقف في صف مثلا) لأن المكان واسع جدا بشكل ممكن يعطيني إحساس إني لوحدي فيه. أنا قرأت إن واحد من أسباب اتساع الشوارع والميادين بالشكل ده هي أسباب سياسية ترجع لأيام الثورة الفرنسية. في حال خروج أي مظاهرة أو جماعات من الناس تحاول تخيم أو تبني متاريس، الشوارع والميادين الواسعة تكون كافية إنها تقزم عددهم وتسهل عملية تطويقهم. مش متأكد إن ده دقيق ولا لأ، أكيد كان فيه أسباب أخري زي إن ديه المناطق اللي كان الأغنياء والملوك بيعيشوا فيها وطبيعي إنها تكون متسعة بالشكل ده. بالإضافة إن نابليون الثالث اللي أمر بعملية تحديث واسعة لباريس كان عايز إنه يعمل منها مدينة أعظم ما تكون، تليق بكونه إمبراطور. كمان ممكن يكون فيه أسباب أكثر عملية أخذ بيها “جورج-يوجين هوسمان” (أو زي ما هأسميه من هنا ورايح “عثمان” لأني أنا اللي بأكتب التدوينة ديه وممكن أكتب أي حاجة أنا عايزها).
نابليون الثالث كلف عثمان اللي كان وقتها ما يعادل مدير حي منطقة “السين” (نهر السين) في عام 1853 بإنه يروق المنطقة ويخليها أمورة كده. في الوقت ده عدد سكان باريس تضاعف والكثافة السكانية في المناطق الفقيرة كانت عالية جدا. الكثافة السكانية العالية في وقت كان الصرف الصحي فيه بيمشي في الشارع زي الأنهار كانت تؤدي إلي انتقال الأمراض بسرعة جدا (وقبل ما تقول إن الصرف الصحي لسه بيمشي في الشارع في عشوائيات القاهرة، أنا عارف ده لكن النهارده فيه التكنولوجيا إننا ما نعملش كده. إحنا بس إختارنا إننا ما نعملش كده علشان……. سبب ما، أكيد فيه سبب. هتفهم أكتر من الحكومة يعني؟).
عثمان (اللي فيه شارع كبير في باريس علي إسمه) اشتغل في الموضوع لمدة 17 سنة حتي رغم إن المشروع قوبل بمقاومة كبيرة لدرجة إن نابليون الثالث رجع في كلامه بعد كده ولغي المشروع. إلا إن الشغل في المشاريع استمر حتي 1927 والشكل الحالي لباريس هو نتيجة - بشكل أكبر من أي شيئ أخر – للمشروع ده.
ده طبعا بيضايقني جدا لأنهم كانوا بيعملوا كده (من ضمن أسباب أخري) علشان يسحقوا أي مظاهرة بسهولة. لكن لازم أقول المشي في الشوارع أعطاني إحساس بالراحة من اتساع المكان اللي بدوره يخليني أحس بالذنب من الإحساس بالراحة لشيئ تسبب في معاناة الثوار دول ونجاح محاولات التضييق عليهم.
المشي في الشوارع بصرف النظر عن إحساس الراحة أو الذنب يقود في النهاية إلي متحف وهم كُثر. ممكن تشتري تذكرة إجمالية تعطيك دخول إلي 60 متحف، ستين متحف. وبعدين تتخيل إن ده رقم يغطي كل المتاحف اللي في باريس فتروح مبني كبير عليه زحمة وتحاول تدخل، الست علي الباب تقولك: التذكرة ديه تدخلك المتاحف لكن ده جاليري. فتفهم إن مش كل المتاحف تعتبر متحف. معلومة برضه.
أنا هأحكي بس عن متحف واحد لأن التدوينة ديه لازم تنتهي في يوم من الأيام. اللوفر بالتأكيد هو الأشهر من المتاحف الفرنسية. ليس فقط بسبب الهرم الزجاجي اللي تكتشف إنه فقط مجرد المدخل بتاع المتحف، ولكن لأنه بالتأكيد الأكبر. أتمني بشدة إن المعلومة ديه تكون صحيحة لأني قضيت تقريبا يومين كاملين في اللوفر ولم تتاح ليا الفرصة إني أشوف كل حاجة. في نصف اليوم التاني، لما وصلت للجناح المصري قلت: أوكيه فراعنة، عارفهم أكيد، مش لازم أشوف كل حاجة حتي لو كانت قطع نادرة غالبا عمرها ما هترجع مصر تاني أبدا. الموضوع كان أشبه برواية طويلة أوي، مهما كانت هايلة، بتصل إلي مرحلة تقول لنفسك: مش مهم البطل هيعيش ولا لأ، عايز أخلص بقي
لكن اللي حسيت إنه فريد في اللوفر مش إنهم جمعوا كل القطع واللوحات والتماثيل من كل العالم والعصور والحضارات، أو إنه مجرد مبني قديم يتم تحويله لمتحف. ولكن إن قصر اللوفر مبني قديم ذو أهمية تاريخية حيث كان قلعة بنيت في القرن الثاني عشر. لما تمشي داخل المتحف أحيانا بيكون صعب تعرف فين المبني التاريخي ينتهي وفين يبدأ المتحف. فيه جزء من المتحف تحت الأرض تمشي فيه وتشوف المكان اللي كانت القلعة تنتهي فيه وتشوف مكان السور القديم والمكان اللي كان مليان ميه تحيط القلعة لحمايتها. في أجزاء أخري، القطع اللي تجذب الإنتباه ليس لوحات أو تماثيل ولكن سقف القاعة وأعمدتها والشغل الدقيق اللي معمول. أكيد كل ده إتعمل له صيانة وإتجدد علي مدار السنين كذا مرة لكن في يوم من الأيام كان فيه شخص غني جدا أمر إن ناس تشتغل لمدة سنين علشان تعمل الغرفة بالشكل ده علشان لما يجي له ضيوف ينبهروا بالقصر. ده مش إنطباعي، ده الشرح والخلفية التاريخية اللي في دليل المتحف لبعض هذه الغرف

اللي يخلي الجولة في اللوفر تأخد يومين بدلا من ساعتين (الوقت الكافي للمشي في كل الأدوار والقاعات) هو الوقوف عند كل قطعة والإستماع لدليل المتحف الصوتي. عند مكتب التذاكر في مدخل المتحف ممكن تأجر جهاز صغير كده (جهاز ننتيندو) وسماعات، عليه كل المعلومات عن المتحف وكل القطع الرئيسية فيه بخلفيتها التاريخية وإزاي وصلت للمتحف وتعليق من مؤرخين وخبراء فنون باللغة اللي إنت عايزها. ألطف حاجة هي إني لازم أسيب إثبات شخصية في مكتب التذاكر عند تأجير الجهاز. البيروقراطية واللوايح عند الفرنسيين عالية أوي. لكن لازم أقول إن الجولة في المتحف بالشكل ده أكيد مختلفة من لو كانت بدون دليل. أنا مش خبير فنون بالتأكيد، ويمكن كمان أقول إني مش مهتم بالفنون أوي لكن إهتمامي أكتر بالتاريخ، والخلفية والقصة وراء كل قطعة يعطي لها عمق ومعني أكتر من الإستمتاع بمهارة صانعها.
لما تنتقل من مرحلة إلي أخري تلاحظ إزاي الفنانين في المرحلة ديه أخدوا إتجاه مختلف عن اللي قبلهم علشان يميزوا نفسهم أو علشان ينهوا مرحلة مش عايزين يبقي ليهم علاقة بيها. أو إزاي مرحلة تأثرت بالأجواء السياسية والإقتصادية في مرحلة ما. إزاي في مرحلة توقف الرسام عن إنه يرسم الناس الأغنياء ويمجد بطولاتهم وتحول إلي تصوير الفقراء ويسجل مأساتهم. طوافة قنديل البحر من اللوحات اللي كل أبطالها غير معروفين.

علي الناحية التانية تلاقي إزاي الفن يُستخدم في البروباجندا. لوحة “بونابرت يزور ضحايا الطاعون في حيفا” هي عمل تخيلي لحدث لم يحدث، تصور نابليون يزور ضحايا الطاعون في مدينة حيفا في الشام (غالبا عرفت ده من عنوان اللوحة). نابليون في اللوحة مش بس بيزور المصابين بالطاعون ولكنه يضع يده علي صدر أحدهم، وهو شيئ مستحيل الحدوث ليس فقط لأنه بالشكل ده بيخاطر بالإصابة بالطاعون ولكن الأهم لأن نابليون أمر بتسميم خمسين من الجنود الفرنسيين ضحايا الطاعون اللي مازالوا عايشين أثناء انسحابه في نهاية الحملة السورية. ولما إنتشرت شائعات باللي حصل، نابليون أمر بعمل هذه اللوحة. طبعا ديه كانت بدايات متواضعة للبروباجندا وتمجيد القائد العظيم قبل ما تصل إلي ذروتها في عهد “إخترناه إخترناه”.

وأحيانا تدخل غرفة ومش علي بالك، تلاقي زحمة كبيرة في أخرها الموناليزا

المتحف فيه قطع من العصور الرومانية اللي كانوا بينقلوا الفن الإغريقي لكن قطعهم عاشت في حين إن القطع الإغريقية إتدمرت بفعل الزمن وإن صناعتها لم تكن كويسة أوي.

وقطع عربية وإسلامية وشرح لفن الخط العربي

وقطع آشورية

وقطع مصرية فرعونية

وقطع فرنسية شكلها تنتمي لحضارات أخري

وقطع من حضارات ما سمعتش عنها قبل كده

وقطع من مجلة بلاي بوي … غطي نفسك يا ولية عيب كده

لكن في النهاية لازم تخرج من المتحف وترجع تستكشف باريس. من الحي اللاتيني حيث الطلبة و”الهيبيز” علي القهاوي طول اليوم. إلي مكتبة شيكسبير، واحدة من المكتبات الإنجليزية القليلة في باريس، بشكلها الأصلي اللي لم يتغير من عقود طويلة. تدخل تلاقي الديكور والأرفف زي ما هي بنفس الكتب والكتابات اللي عليها والكسور في الحيطان. الشيء الوحيد الجديد هو يافطة “ممنوع التصوير”. دخلت وخرجت زي كل السياح التانيين بدون ما أشتري كتاب، المكتبة مزار أكتر منها مكان لبيع الكتب علي عكس المحل الجديد اللي جنبها بالضبط وتحت نفس الاسم اللي عدد الناس فيه أقل بكتير لأنهم فعلا جايين يشتروا كتب.

شمالا، تصل إلي كاتدرائية القلب المقدس علي تل الشهداء Montmartre اللي تقدر تطل منه علي باريس. الكاتدرائية صغيرة ومازالت مكان للعبادة لكن أهميتها التاريخية جعلتها محطة أثناء زيارة بابا الفاتيكان لباريس، صورة الزيارة معروضة بفخر عند مدخل الكاتدرائية.

المشي في شوارع باريس وسط المباني القديمة اللي تشبه وسط البلد وروكسي مش هي الطريقة الوحيدة إني أحس إني رجعت بلدنا، الطريقة الأسهل هي إني أبص علي الناس اللي حواليا في الشارع أو أستمع للغة حوارهم وبسهولة أوي أقدر ألاقي عرب. جت الفرصة إني أروح مجمع المسجد الأكبر. صحيح إني إكتفيت بالقعدة في القهوة وشرب شاي أخضر لكن طلب المشاريب بالعربي بدلا من الإنجليزي أو الفرنساوي لوحده يدي إحساس بأجازة من الغربة ولو للحظة قصيرة.
في النهاية الأيام بتمر والأجازة لازم تخلص. تجهز شنطك علشان ترجع “بيتك” وتسأل نفسك إيه تمن وظيفة كويسة، وتحتار إذا كان كويس إنك كسبت يانصيب الهجرة ولا لأ، وإن تذكرتك بعتتك أخر بلاد المسلمين والكفرة. الحيرة يقطعها الحمد لله علي كل شئ، وتُستبدل بحيرة إذا كان ده مجرد عادة ولا عن اقتناع. الأكيد إنك تحمد ربنا علي سدادات الودان اللي تقلل من بكا الطفل اللي في الصف اللي قدامك طوال تسع ساعات طيارة العودة.

بعد النشر: بعد ما نشرت هذه التدوينة وجدت خبر إزالة أقفال الحب من جسر “بونت دي أرت” بسبب القلق من تأثير الوزن الزائد علي سلامة الجسر.
الأقفال علي الجسر تمثل الرابطة التي لا يمكن كسرها بين حبيبين، وهو ما يجعل الخبر ده مناسب جدا لأن طبعا الوزن الزائد قادر ينهي أي علاقة مهما كان عمق الحب بينهم.
الأقفال كانت تباع علي الجسر بأسعار فلكية وتمثل أحد أهم أدلة فرنسا إن السياح وباقي العالم بالإمتداد مش أذكياء أوي. طبعا الخطوة ديه تخلي السياح من هنا ورايح يتشككوا في مصداقية فرنسا وجدياتها في الحفاظ علي العلاقة بينهم. الأكيد برضه إنها خطوة جريئة من فرنسا اللي بتضحي بالدخل اللي جاي من بيع الأقفال ديه واللي يمثل 70% من دخل السياحة في فرنسا (مصدر) والمصدر التاني للدخل القومي بعد بيع أسلحة لن تستخدم لدول الخليج.

إنشر
%}