إعادة هيكلة الحكومة: سحابة وطنية

لأن الأحلام ببلاش وعادة ألطف من اليأس والإحباط، خلينا نكمل اللي بدأناه هنا وهنا وهنا.

ميكنة أعمال الحكومة دائما شعار تم إعادة إستهلاكه أكتر من مرة علي مدار كل الحكومات السابقة تقريبا. السبب في كده هو إنه فعلا هدف مهم، إلا أن الواقع هو أن الميكنة عادة ما تتحول إلي سبوبة لبعض الشركات التجارية التي غالبا ما لا تفهم الكثير عن تحويل المعاملات الورقية إلي معاملات رقمية ويستخدم الموضوع لتحقيق أرباح عن طريق توريد أجهزة وبرمجيات تم إستيرادها من الخارج.

الهدف هنا من ميكنة أعمال الحكومة هو:

  1. إعادة هيكلة المعاملات بين المواطن والحكومة وبين أجهزة الحكومة وبعضها: هناك الكثير من المعاملات (أي أعمال أو خدمات تقدمها الحكومة للمواطن أو يقدهما جهاز حكومي لجهاز آخر) التي تقوم بها الحكومة قائمة بقوة الأمر الواقع أكثر من الحاجة الفعلية لها أي علي طريقة “هذا ما وجدنا عليه أباءنا الأولين” بدلا من أن يكون هناك ضرورة حقيقية أو سبب منطقي للإستمرار في تنفيذ أعمال الحكومة بهذا الشكل. السبب في كده هو إن أجهزة الدولة ليس لها القدرة ولا الحافز علي إعادة تقييم كيفية أداءها لمعاملاتها. إعادة هيكلة هذه المعاملات هو واحدة من أهم الأولويات التي علي أي حكومة تسعي لإعادة هيكلة أجهزة الدولة أن تقوم بها. ميكنة المعاملات هي فرصة ممتازة للقيام بإعادة الهيكلة عن طريق حصر وشرح وتبرير هذه المعاملات سيتضح بسهولة أي المعاملات مهمة وأيها يمكن الإستغناء عنه أو إستبداله.

  2. رفع كفاءة تقديم الخدمات: بدلا من شحططة المواطنين بين أجهزة الدولة للبحث عن ورقة تثبت إنه مواطن أو إنه عايش أو أي إثبات من الإثباتات المتعنتة المطالبين نحن بتوفيرها قبل الحصول علي أبسط الخدمات ستتمكن أجهزة الدولة بالتواصل مباشرة مع بعضها البعض عن طريق مواقعها الإليكترونية للحصول علي المعلومات المطلوبة.

  3. خفض أعداد العمالة الزائدة بالجهاز الإداري للدولة: الكثير من الوظائف الحكومية ما هي إلا ملء وقراءة أوراق Paper Pushers وهي وظائف لا تستغل فقط في الإبقاء علي عمالة زائدة لا تضيف شئ للخدمة وإنما أيضا تستخدم في تعديل الخدمة الجاري تقديمها.

  4. رفع مستوي العاملين بالجهاز الإداري للدولة: إذا ما تمت ميكنة كل أعمال الجهاز الإداري لابد أن يرتفع الحد الأدني للقبول بتعيين أي موظف جديد.

ليس الهدف من التخلص من العمالة الزائدة أو العمالة الغير مدربة هو خلق بطالة عن طريق التخلص من هؤلاء الذين هم أصلا ضحية الهيكل الإداري الفاشل للدولة وإنما الهدف هو خلق دافع واضح لهم لرفع كفاءتهم والإستعداد لسوق عمل مختلف. كيفية حدوث ذلك ودور الدولة فيه هو موضوع آخر لا يساع المجال هنا للحديث عنه.

في إطار مركزة الحكومة للخدمات الداعمة وفي ظل التطوير الذي يتم في مجال الحاسبات فإن فكرة بناء الحكومة لسحابة وطنية National Cloud هي فكرة منطقية. تقوم الحكومة ببناء مراكز بيانات ضخمة Data Centers يتم فيها تجميع كل موارد الحكومة من الخوادم Servers التي تقدم الخدمات الحكومية المختلفة سواء كانت مواقع عامة أو قواعد بيانات. يتم بناء هذه المراكز بإستخدام البرمجيات مفتوحة المصدر (مثال: OpenStack) مما يحقق للحكومة توفيرا للموارد المادية وكذلك قدر ممتاز من التحكم في هذه البرمجيات وقدراتها. هذا التوجه ليس توجه مقتصر علي مصر وإنما هو تطوير لما يتم تنفيذه في كل الدولة العالم الجادة في تقديم خدمات جيدة لمواطنيها.

يتيح بناء سحابة وطنية فرصة للتحول إلي إستخدام برمجيات ويب مركزية وتطويرها بشكل مستمر وفي نفس الوقت إتاحها لجميع أجهزة الدولة في وقت واحد. مثلا خدمات بسيطة مثل البريد الإليكتروني، يتيح وجود سحابة وطنية التوسع السريع في تقديم هذه الخدمة لكل أجهزة الدولة بشكل سهل حيث لا يتطلب الأمر أكثر من مجرد ملء بيانات المستخدمين الجدد وإستلامهم لحساباتهم البريدية. ذلك علي عكس ما يتم الآن من قيام المؤسسة الحكومية بعمل مناقصات لشراء أجهزة خوادم ثم شراء برمجيات ثم تعيين فرق عمل وفي النهاية لا تكون الخدمة علي مستوي جيد بسبب قصر مستوي الخدمة المقدم من أي من هؤلاء الأطراف الثلاثة. كذلك يتسبب هذا الإسلوب في إختلاف نوع الخوادم أو البرمجيات وكذلك مستوي تقديم الخدمة من مؤسسة لمؤسسة.

التنظيم للبيانات الناتج عن تجميعها كلها في مكان واحد سيتيح بالضرورة فرصة هائلة للبدء في طرح بيانات الحكومة للمواطنين ضمن برامج مشاركة المعلومات Open Data. مثال: تطرح الحكومة الأمريكية بياناتها عبر موقع Data.gov حيث يمكن للمواطنين والشركات الأمريكية الإطلاع علي وشراء بيانات من الحكومة.

بناء سحابة وطنية تخدم جميع مؤسسات الحكومة هي فكرة منطقية لا تحتاج إلي شرح كثير بصراحة.

إنشر
%}